مركب النقص قد يكون مركب كمال
د . عائض القرني
{ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }
﴿النور: ١١﴾
بعض العباقرة شقوا طريقهم صمود ,لإحساسهم بنقص عارض , فكثير من العلماء كانوا موالي , كعطاء , وسعيد بن جبير , وقتادة , والبخاري والترمذي , وأبي حنيفة .
وكثير من أذكياء العالم وبحور الشريعة أصابهم العمى , كابن عباس , وقتادة وابن أم مكتوم , والأعمش , ويزيد بن هارون .
ومن العلماء المتأخرين : الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبدالله بن حميد , والشيخ عبد العزيز بن باز . وقأت عن أذكياء ومخترعين وعباقرة عرب كان بهم عاهات , فهذا أعمى , وذاك أصموآخر أعرج , وثان مقعد , ومع ذلك أثروا في التاريخ , وأثروا بالعلوم والاختراعات والكشوف .
{ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ }
﴿الحديد: ٢٨﴾
ليست الشهادة العلمية الراقية كل شيْ , لا تهم ولا تغم ولا تضيق ذرعاً لأنك لم تنل الشهادة الجامعية أو الماجستير , أو الدكتوراه , فإنها ليست كل شيء إمكانك أن تؤثر وأن تلمع وأن تقدم للأمة خيراً كثيراً , ولو لم تكن صاحب شهادة علمية . كم من رجل شهير خطير نافع لا يحمل شهادة , إنما شق طريقه بعصاميه وطموحه وهمته وصموده . نظرت في عصرنا الحاضر فرأيت كثيراً من المؤثرين في العلم الشرعي والدعوة والتربية والفكر والأدب , لم يكن عندهم شهادات عالمية مثل الشيخ ابن باز , ومالك بن نبي , والعقاد , والطنطاوي وأبي زهره والمودودي , والندوي , وجمع كثير .
ودونك علماء السلف , والعباقرة الذين مروا في القرون المفضلة .
نفس عصام سودت عصاما [] وعلمته الكر والاقداما
وعلى الضد من ذلك آلاف الدكاترة في العالم طولاً وعرضاً .
{ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا }
﴿مريم: ٩٨﴾
القناعة كنز لا يفنى , وفي الحديث الصحيح :
[ ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ]
ارض بأهلك بدخلك , بمركبك , بأبنائك , بوظيفتك , تجد السعادة والطمأنينة .
وفي الحديث الصحيح : [ الغنى غني النفس ]
وليس بكثرة العرض ولا بالأموال ولا بالمنصب , لكن راحة النفس ورضاها بما قسم الله .
وفي الحديث الصحيح :
[ إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي ]
وحديث [ اللهم اجعل غناه في قلبه ]
قال أحدهم : ركبت مع صاحب سيارة من المطار , متوجهاً إلى مدينة من المدن فرأيت هذا السائق مسروراً جذلاً , حامداً لله شاكراً, وذاكراً لمولاه , فسألته عن
أهله فأخبرني أن عنده أسرتين , وأكثر من عشرة أبناء , ودخله في الشهر ثمانمائة ريال فحسب , وعنده غرف قديمة يسكنها هو وأهله , وهو مرتاح البال , لأنه راض بما قسم الله له .
قال : فعجبت حينما قارنت بين هذا وبين أناس يملكون مليارات من الأموال والقصور والدور , وهم يعيشون ضنكاً من المعيشة , فعرفت أن السعادة ليست في المال .
عرفت خبر تاجر كبير , وثري شهير عنده آلاف الملايين وعشرات القصور والدور , وكان ضيق الخلق , شرس التعامل , ثائر الطبع , كاسف البال مات في غربة عن أهله , لأنه لم يرض بما أعطاه الله إياه .
{ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ }
﴿المدثر: ١٥﴾
{ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا }
﴿المدثر: 16)